الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وجمع بينهما أيضاً في قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]. فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات. وجمع بينهما في قوله: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: 45]. فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله، والأبصار: البصائر في أمر الله. 3- التحذير من الفتن: تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على التحذير من الفتن والأمر بتجنبها واعتزالها وعدم الخوض فيها، فمن ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال 25]، وما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم». قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت. وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه باباً تحت عنوان (باب من الدين الفرار من الفتن)، ثم أورد تحته حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن». وأخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض». وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير؛ فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. وفي صحيح مسلم عن أبي بكرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه» قال: فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: «يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت»، قال: فقال رجل يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجئ سهم فيقتلني؛ قال: «يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار». قال الماوردي رحمه الله: فأما الفتنة في الأغلب فتحيط بصاحبها، وتنعكس عن البادئ بها، فلا تنكشف إلا وهو بها مصروع كما قال الله تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر 43]. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الفتنة نائمة فمن أيقظها صار طعاما لها». وقال جعفر بن محمد: الفتنة حصاد للظالمين. وقال بعض الحكماء: صاحب الفتنة أقرب شيء أجلا وأسوأ شيء عملا. وقال بعض الشعراء: 4- عقوبة من يثير الفتن: الفتان الذي يثير الفتن يُعزَّر تعزيراً بليغاً بحسب ما أثاره من فتنة، وما نتج عنها من قولٍ أو فعل، وقد عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصر بن حجاج بنفيه من المدينة إلى البصرة عندما علم أنه فتن النساء بجماله؛ وعزَّر صبيغاً عندما سأل عن الذاريات والنازعات ونظائرها من القرآن وبان لعمر فيه الزيغ فضربه حتى أدبر ظهره وكان من أهل البصرة وكتب إلى أميرهم وإليهم أن لا تجالسوه. وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع ابن الكوَّاء. فإذا كان الأمر كذلك فكيف بمن يفتن الناس في دينهم، وفي معتقداتهم، ويثير الشبه بينهم ويفرق صفوفهم ويشتت كلمتهم، ويكفِّر العلماء، وولاة الأمر ورجال الأمن، ويؤول النصوص الشرعية لتخدم هواه؛ إنه بحق يستحق عقوبة رادعة تكبح جماحه وتقطع شره عن المجتمع. وقد نصت (المادة الثانية عشرة) من النظام الأساسي للحكم على أن: تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام. وحظرت المادة (التاسعة والثلاثون) من ذات النظام كل ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام بالنص التالي: (تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه وتبين الأنظمة كيفية ذلك). .212- فجور: 1- التعريف:الفجور في اللغة الانبعاث في المعاصي، وفي لسان العرب: فَجَرَ الإِنسانُ يَفْجُرُ فَجْراً وفُجوراً: انْبَعَثَ في المعاصي. وقال ابن فارس: الفاء والجيم والراء أصلٌ واحدٌ، وهو التفتح في الشيء... ومنه: انفجَرَ الماءُ انفجارًا: تفتَّحَ،... ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح في المعاصي فُجورًا ولذلك سمِّي الكَذِب فجورًا، ثم كثُر هذا حتَّى سمّي كلُّ مائلٍ عن الحقّ فاجراً. وفي الاصطلاح: عرف الجرجاني الفجور بأنه: هيئة حاصلة للنفس بها يباشر أموراً على خلاف الشرع والمروءة. وعرفه الجاحظ بأنه: (الانهماك في الشهوات، والاستكثار منها، والتوفر على اللذات والإدمان عليها، وارتكاب الفواحش، والمجاهرة بها، وبالجملة هو السرف في جميع الشهوات). 2- تحريم الفجور: الفجور بكل أنواعه من كفر ومعاصي وعدول عن الحق من الكبائر، وهو من صفات المنافقين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو. وقد توعد الله تعالى الفجار بالجحيم فقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ. وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} [الانفطار13، 14]. وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ. كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين 7، 9]. 3- عقوبة الفجور: من وقع في الفجور وجبت معاقبته بحسب نوع الجريمة التي ارتكبها، فإن كانت الجريمة موجبة للحد أو القصاص عوقب بما وجب من عقاب، وإن كانت لا توجب حدا ولا قصاصاً، عاقبه القاضي بما يراه زاجرا له عن الانهماك في المعاصي. .213- فذلكة: 1- التعريف:الفذلكة: مصدر فذلك، وهو خلاصة الشيء، قال الفيروزآبادي: فَذْلَكَ حِسابَهُ: أنهاهُ وفَرَغَ منه، مُخْتَرَعَةٌ من قولِهِ إذا أجْمَلَ حِسابَهُ: فَذلِكَ كذا وكذا. وفي المصطلح الجنائي: يقصد بالفذلكة خلاصة التحقيقات التي أجراها المحقق وما توصل إليه من نتيجة. وتسمى هذه الفذلكة: تقرير المحقق، وهو خلاصة ما يتوصل إليه المحقق بعد اكتمال إجراءات التحقيق. ونصت المادة (108) من نظام مديرية الأمن العام على وجوب إعداد هذا التقرير من قبل المحقق. وبعد صدور نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام وإسناد التحقيق إليها أصبح هذا التقرير يسمى قرار الاتهام. وقد مضى الكلام عليه في مصطلح: اتهام. .214- فساد: 1- التعريف:الفسادُ في اللغة: نقيض الصلاح، فَسَدَ يَفْسُدُ ويَفْسِدُ وفَسُدَ فَساداً وفُسُوداً، فهو فاسدٌ وفَسِيدٌ فيهما. قال الجوهري: فَسَدَ الشيءُ يَفْسُدُ فَسادًا، فهو فاسدٌ، وقومٌ فَسْدَى، كما قالوا: ساقطٌ وسَقْطَى؛ وكذلك فَسُدَ الشيءُ بالضم، فهو فَسِيدٌ، ولا يقال انْفَسَدَ؛ وَأَفْسَدْتُهُ أنا. والاسْتِفْسادُ: خلاف الاستصلاح. والمَفْسَدَةُ: خلاف المصلحة. وفي الاصطلاح: الفساد يطلق على معان منها: ارتكاب المعاصي. وأما الإفساد فهو التخريب. قال ابن الجوزي: (ويذكر الفساد في الدين كما يذكر في الذات؛ فتارة بالعصيان، وتارة بالكفر، ويقال في الأقوال إنها فاسدة إذا كانت غير منتظمة، وفي الأفعال إذا لم يعتد بها). وقال الكفوي: (الإفساد: هو جعل الشيء فاسداً خارجاً عما ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعا به. وفي الحقيقة هو إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح). 2- النهي عن الإفساد: ورد النهي عن الإفساد في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف 56]، وقال تعالى مخبراً عن ما قاله نبيه هود عليه الصلاة والسلام لقومه: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود 85]. والآيات في هذا المعنى كثيرة. وورد النهي عن الإفساد في السنة المطهرة، ومن ذلك ما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت على راع فناده ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد» رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. 3- بم يكون الفساد؟ يكون الفساد بارتكاب المعاصي وفعل المحرمات، والتطاول على الناس، وأكل أموالهم بالباطل، وتخريب ممتلكاتهم وإتلافها، وبسفك الدماء، وقطع الطرق وترويع الآمنين، ونحو ذلك من الجرائم. قال القرطبي: (قوله تعالى: والله لا يحب الفساد، قال العباس بن الفضل: الفساد هو الخراب؛ وقال سعيد بن المسيب: قطع الدراهم من الفساد في الأرض؛ وقال عطاء: إن رجلا كان يقال له عطاء بن منبه أحرم في جبة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها؛ قال قتادة: قلت لعطاء إن كنا نسمع أن يشقها فقال عطاء إن الله لا يحب الفساد. قلت: والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. قيل: معنى لا يحب الفساد أي لا يحبه من أهل الصلاح، أو لا يحبه دينا؛ ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به والله أعلم). 4- عقوبة المفسدين: تختلف عقوبة المفسدين باختلاف المفسدة المرتكبة، فقد تصل عقوبة المفسد إلى القتل؛ فالقاضي يقدر العقوبة التعزيرية بما يراه مناسباً للواقعة. قال ابن رجب رحمه الله: (وقال الله عز وجل: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32]. يدل على أنه إنما يباح قتل النفس بشيئين: أحدهما بالنفس، والثاني بالفساد في الأرض؛ ويدخل في الفساد في الأرض الحرب، والردة، والزنا، فإن ذلك كله فساد في الأرض). .215- فسق: 1- التعريف:الفِسْق في اللغة: العصيان والترك لأَمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق. والعرب تقول إِذا خرجت الرُّطَبَةُ من قشرها. قد فَسَقَت الرُّطَبَةُ من قشرها، وكأَن الفأْرة إِنما سميت فُوَيْسِقةً لخروجها من جُحْرها على الناس. والفِسْقُ: الخروج عن الأَمر. وفي الاصطلاح: الفسق هو عدم العمل بأحكام الشريعة مع الإقرار بالشهادتين والاعتقاد بالوحدانية. وقال الجرجاني: الفاسق من شهد ولم يعمل واعتقد. 2- الأحكام المتعلقة بالفسق: الأحكام المتعلقة بالفسق هي ذات الأحكام المتعلقة بالفجور، وقد مضى الكرم عليها في مصطلح: فجور. |